ترجمتي لمقال أيمن عبد النور من معهد الشرق الأوسط في واشنطن
شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سورية، التي عقدت في 19 تموز/يوليو، أشياء غير مسبوقة في نظام الأسد. هناك عشرة فروق مهمة تميزها عن الانتخابات النيابية السابقة منذ أن بدأها حافظ الأسد في 1973.إدخال الانتخابات التمهيدية (الاستئناس الحزبي)أولاً، تم إدخال الاستئناس الحزبي والنظام الانتخابي من دورتين في انتخابات تموز. سابقاً كان حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية يسمون مرشحيهم، كل فرع يقدم أسماء (عادة ما تضم القائمة عدداً من الأسماء يساوي ضعف عدد المقاعد)، ثم تقوم القيادة المركزية للبعث باختيار المرشحين ليشكلوا قائمة الجبهة الوطنية. لكن هذه المرة، اعتقد النظام أن الاستئناس يمكن أنيخدم كطريقة في اختبار شعبية المرشحين وميولهم داخل حزب البعث الذي يضم حوالي مليوني عضو يغطون طيفاً سياسياً واسعاً. الاستئناس يظهر مدى الدعم الذي يلقاه كل مرشح، وما هي القاعدة التي تصوت له: إسلاميون، يساريون، محافظون ..الخ.
بعد أن استخدم الأسد جولة الاستئناس الحزبي لمعرفة التوزع السياسي، قام بإلغائها قائلاً إنها سوف تستخدم للاستدلال فقط. عقدت جولة الاستئناس في نهاية حزيران وألغيت في 2 تموز. في 4 تموز أعلن حزب البعث قائمة المرشحين من مختلف المحافظات، وأدخل فيها أسماء لم تدخل مرحلة الاستئناس أصلاً. جرت إضافة أسماء وتغيير أسماء دون الإعلان عن هذه التغييرات. هناك فئتان في كل محافظة، الفئة (أ) وتضم العمال والفلاحين، والفئة (ب) وتضم المثقفين والحرفيين ورجال الأعمال. وكمثال على التغييرات السرية، حذف اسم باسل قرنوب من قائمة حزب البعث، وهو مرشح مسيحي عن إدلب، واستبدل بنعسان عبد الغفور حجازي. ولم يتم الإعلان عن هذا التغيير حتى يوم الانتخابات حين شاهد الناس القائمة المعدلة. وكان تبرير النظام لهذا التعديل أنه لم يعد هناك مسيحيون في إدلب، إذن لماذا يكون لهم ممثل؟تقسم المقاعد بين حزب البعث، والأحزاب الأخرى، والمستقلين. في البداية كان هناك 181 مقعداً محجوزاً للجبهة الوطنية التقدمية، ولكن اضيف إليها مقعدان، ليصبح الإجمالي 183، منهما 166 لحزب البعث. في انتخابات تموز يخوض العديد من أعضاء الحزب القومي الاجتماعي السوري الانتخابات كمستقلين. فهم يشاركون في قائمة الوحدة الوطنية في مناطق ريف حلب وحماة وحمص، ولكن له مرشحون مستقلون في مناطق أخرى. مع ذلك تشهد هذه الانتخابات أدنى نسبة مرشحين قياساً على المقاعد: لدينا بالمجمل 1656 مرشحاً، بينهم 200 امرأة، يتنافسون على 250 مقعداً. بالمقارنة، كان لدينا في انتخابات 2016، 2649 مرشحاً.إجبار موظفي الدولة على التصويت، والأثر ضعيف مع ذلكثانياً، هذه هي المرة الأولى التي يسمحج فيها للجيش وقوى الأمن بالتصويت. سمح القانون رقم 8 لعام 2016 لعناصر الجيش والأمن بالتصويت كطريقة لزيادة نسبة المصوتين في صناديق الاقتراع. ورغم ذلك فإن نسبة المشاركة في التصويت لم تتعد 10% حسب مصادر ميدانية. في حين أعلنت وزارة العدل أن نسبة المشاركة هي 33%. في بعض المراكز، ولاسيما تلك الواقعة في مدارس من أجل الناخبين العاديين (على خلاف تلك المخصصة لموظفي الدولة) لم يصوت فيها أحد. هذا المستوى المتدني من المشاركة، برغم القسر، يظهر عدم ثقة الناس بالنظام. كما يظهر أن الناس كسرت حاجز الخوف، فالناس كانت تصوت في السابق كي لا توضع عليها إشارة من قبل المخابرات، لكن الحال لم يعد كذلكك فيما يبدو. وهناك مشاركة متدنية أيضاً في مناطق المسيحيين والعلويين، ما يدل على عدم رضا عام من النظام.تمثيل أكبر للأرمن، واستبعاد للكردثالثاً، هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها أرمني في قائمة حزب البعث. هذا تغير لافت على اعتبار أن البعث حزب قومي عربي. فاز الأرمن بثلاثة مقاعد في الانتخابات، وهذه سابقة أخرى. خاضت لوسي أوهانيس إسكانيان في الفئة (أ) في قائمة البعث عن حلب. أسباب النظام وراء ذلك هي إقامة علاقات جيدة مع أرمينيا في مواجهة تركيا، الحصول على معدات عسكرية سوفييتية لا تزال بحوزة أرمينيا، ومكافأة الأرمن لدفاعهم عن النظام. إضافة إلى إسكانيان، هناك مرشحان أرمينيان آخران، جيراير أريسيان، الذي خاض الانتخابات كمستقل في الفئة (ب)، ونور أريسيان الذي فاز بمقعد عن دمشق.رابعاً، في هذه الدورة تم استبعاد التمثيل الكردي. أصر النظام على إبعاد القادة الكرد واستبدالهم بأفراد قليلي الأهمية. أجبر عمر أوسي، وهو عضو برلمان منذ 2012، على أن لا يخوض الانتخابات، فيما خسرت الشخصية الكردية الشعبية الأخرى، طريف قوطرش، وهو عضو برلمان منذ 2015. بدلاً منهما اختير مرشحان آخران هما، عبد الرحمن خليل من الحسكة، واسماعيل حجو من الرقة، وكلاهما من الحزب الشيوعي المتحالف مع البعث. فقد انضما إلى الأمين العام للحزب، عمار بكداش، وألان بكر من ريف حلب، ولا أحد من هؤلاء يمثل فعلاً المجتمع الكردي.عسكرة متزايدة للبرلمانخامساً، شهدت هذه الانتخابات أيضاً زيادة عسكرة البرلمان. كما كتب تشارلز ليستر في مقالة حديثة له في بوليتيكو، الأسد يقود المجتمع السوري إلى العسكرة على خطى كوريا الشمالية. الأسد يريد أن يبث الروح العسكرية في المستويين الاجتماعي والسياسي. الثقافة العسكرية، كما قال الأسد في معرض تشجيعه على هذه الخطوة، “تتضمن احتراماً تاماً للتراتبية، وتنفيذ الأوامر دون مراجعة، وقدرة غير محدودة على الصبر والتحمل”. وقد دعا سبعة ألوية متقاعدين لخوض الانتخابات، عيطان عيطان، وهو ضابط شرطة من دير الزور، عبد الرزاق بركات، من ريف حلب، باسمة الشاطر، طبيبة شرطة من دمشق، مفلح النصر الله، ضابط جيش من درعا، مصطفى سكري، معاون سابق لوزير الداخلية من حماة اضافة لفايز الاحمد من الجيش ومن حماة ، ونسيب أبو محمود، ضابط جيش من السويداء.الستة الأوائل كانوا على قائمة الانتخاب في الدورة التمهيدية (الاستئناس) ولكنهم لم يفوزوا، أما السابع فلم يكن أصلاً على القائمة. وبنفس طريقة عسكرة البرلمان من المحتمل أيضاً أن يقوم النظام بعسكرة الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات.المرشحون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعيسادساً، هذه هي المرة الأولى أيضاً التي يستخدم فيها المرشحون وسائل التواصل للاحتجاج على الانتخابات. هذه علامة أخرى على أن النظام يخسر سيطرته النفسية على الناس الذين يتجرؤون على انتقاد الأسد ونظامه. بالفعل، هناك شخصيات بارزة انتقدت مجمل العملية الانتخابية علناً. مثلاً، خسر فارس الشهابي في الانتخابات، وهو عضو برلمان سابق ورئيس اتحاد غرف الصناعة السورية ومواطن أميريكي وموالي للنظام. عمل النظام ضده لأنه رفض أن يشكل قائمة مشتركة مع حسام قاطرجي، وهو رجل أعمال غامض على قائمة العقوبات الأميريكية والأوروبية. أُبعد الشهابي وسبعة مرشحين آخرين على قائمته من البرلمان. ولذلك فقد قال على وسائل التواصل الاجتماعي إن مافيا الفساد وأمراء الحرب يتآمرون ضده، ويزورون الانتخابات، وأن على المرشح أن يقبل الفساد أو يطرد خارجاً. وقد وصف هؤلاء المتآمرين ضده بأنهم “داعش الداخل”. وقد أجبره النظام على حذف بوست قال فيه إن هناك مؤامرة ضده. كان التلاعب لصالح قاطرجي صريحاً إلى حد أنه أزيل اسم مرشحة مستقلة، سندس ماوردي، عشية يوم الانتخاب لكي يوضع اسم قاطرجي مكانها – وبالطبع هو يشارك كي يفوز.بعد أن خسرت بروين ابراهيم، وهي امرأة كردية بارزة ورئيسة حزب الشباب للتنمية، فقد ردت بتسجيل حي على الفيسبوك قائلة إن التزوير بدأ من الساعة السادسة صباحاً يوم الانتخاب، عندما أرغم مندوبوها على الخروج من المراكز لكي يتم تغيير النتائج. وهددت بمحاسبة “العصابة” على أفعالها، وقالت إنها حصلت على أكثر من ألف صوت ولكنهم أعلنوا حصولها على 250 صوتاً فقط، وهذه علامة على تلاعب مفضوح.إبعاد نواب حاليين والسماح لمن صالحوا بالمشاركةسابعاً، كان النظام أكثر عدائية في إبعاد النواب في هذه الدورة. اعتاد النظام في الدورات السابقة أن يحتفظ بنسبة 40% على الأقل من أعضاء البرلمان الموجودين، لكي يتعلم منهم النواب الجدد، غير أن الإبعاد كان كبيراً هذه المرة ولاسيما في السويداء. فقد أبعد النظام كل النواب الموجودين كنوع من معاقبة المحافظة وتأكيد سيطرته عليها. والسبب هو أن هؤلاء الأعضاء لم يتمكنوا من تهدئة الناس واستعادة النظام عقب الاحتجاجات الأخيرة التي جرى قمعها من الأجهزة الأمنية. ومن بين الوجوه الجديدة التي قدمها النظام، اللواء نسيب ابو محمود، وهو عسكري سابق يستطيع التعامل مع أي حوادث مشابهة يمكن أن تشهدها المحافظة.ثامناً، هذه هي أيضاً المرة الأولى التي يسمح فيها النظام للأفراد الذين عقدوا مصالحات بخوض انتخابات برلمانية. فبعد المصالحة مع النظام ودفع نصف مليون دولار، قام النظام بتنظيف ملف قيادي أمني سابق في داعش، واسمه فادي رمضان العفيس، لكي يشارك في انتخابات مجلس الشعب، رغم أنه “خسر” في النهاية. وهناك مرشح آخر مشابه، تمكن فعلاً من الفوز بمقعد، هو عامر تيسير خيتي، الذي ترتبط عائلته بميليشيا جيش الإسلام. كان أخوه عبد الرحمن أحد كبار القادة لدى زهران علوش، القائد السابق للميليشا. كما كان له أخ آخر متورط في تجارة المخدرات. فر عامر إلى مصر وبقي هناك أربع سنوات إلى أن صالح النظام قبل عامين وعاد إلى سورية بمبالغ مالية كبيرة.استمر التلاعب بالانتخابات حتى اللحظة الأخيرة. أحد أعضاء قائمة البعث في حلب، أيمن حلاق، توفي بعد يومين من إدراج اسمه، واستبدل سريعاً بسلوم السلوم. لم تكلف القيادة المركزية للبعث نفسها عناء إعلان التغيير، أو الدعاية للمرشح الجديد الذي فاز رغم ذلك، رغم أن الناس لم يروا إسمه إلا أثناء التصويت. وقد حصل الشيء نفسه في الحسكة، حين استبدل فواز الدبس بعبد الرحمن خليل دون أي إعلان عام عن ذلك.وضع النظام صناديق اقتراع إدلب والرقة، وهما محافظتان خارج سيطرته، في حماة. أما فيما يخص صناديق المناطق الخاضعة لسيطرة قسد التي رفضت التعاون مع النظام في الانتخابات، وضع صندوقان في المناطق الأمنية التابعة للنظام في القامشلي والحسكة، إضافة إلى صناديق أخرى في بعض القرى. في الانتخابات السابقة في الحسكة، اعتاد النظام أن يعطي داعميه قائمة ظل من مستقلين (4 مقاعد) لمواجهة المعارضة التي كانت عادة من المجتمع الكردي في المنطقة. لكن هذه المرة، لم يضع النظام مثل هذه القائمة لأنه لا يوجد مرشحين من المعارضة الكردية في المحافظة.علامات ضعف النظامتاسعاً، حتى الناس المعروفين الذين يرشحون أنفسهم عادة، جرى منعهم هذه المرة، أو التلاعب بالنتائج بحيث يخسرون، مثل فارس الشهابي وطريف قوطرش. كما خسرت ماريا سعادة، من عائلة سعادة البارزة في الحزب القومي الاجتماعي السوري، وخسر نواف المسلط، شيخ قبيلة الجبور. خاض موسى نور، رئيس نقابة الصحفيين، الانتخابات على مقعد في حمص كان قد حجز لمرشح آخر مع أن هذا لم يفز في الانتخابات التمهيدية. ولم يفز عبد العزيز الملحم، شيخ قبيلة مهمة في حمص، كما لم يفز ابنه نواف الذي كان عضواً في مؤتمر سوتشي ومحادثات جنيف ورئيس حزب الشعب، في حين توقع الجميع أن يحل محل أبيه. غير أن المفاجأة الأكبر، كانت خسارة محمد الفارس، شيخ قبيلة طي في الحسكة. الأمر الذي يكشف ضعف النظام وتخوفه من إعطاء منصب لأي شخصية لها نفوذ أو شرعية شعبية في مجتمعها. لا يرغب النظام في تقوية مؤيديه إدراكاً منه لتراجع شعبيته حتى ضمن قاعدته الصلبة.أخيراً، مع محاولة النظام إضعاف الأفراد ذوي الشعبية المحلية، فإنه يمضي بعيداً في دعم أقارب المسؤولين في النظام. مثلاً، دخل في الانتخابات وفاز زين العابدين عباس، ابن السفير في الهند، وزوج ابنة منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية. والحال نفسه مع همام مسوتي، زوج لينا كناية، مديرة مكتب أسماء الأسد. كما بينت هذه الانتخابات النفوذ المتزايد للسيدة الأولى. فقد أرغم رجل الأعمال محمد حمشو، المرتبط مع ماهر الأسد، على الانسحاب من الانتخابات. وبالمقابل، ضمت القائمة الجديدة قادة ميليشيات ومهربين وغيرهم من أعوان الأسد. ولأول مرة تضم القائمة أحد ممثلي المهاجرين الإيرانيين الذين حازوا على الجنسية السورية، وهي رقية كرمنشاهي، ولكنها خسرت.تلاعب ممنهجمن المهم القول إن العملية الانتخابية مصممة بحيث تسمح بالتلاعب. أولا، يمكن لأي شخص أن يصوت في أي مكان. لا يوجد قائمة مسجلة بأسماء الناخبين في كل مركز تصويت. لذلك يمكن لأي شخص أن يصوت في أكثر من مركز وعدة مرات لأنه لا توجد آلية للتحقق من الأسماء. كل حزب أو كل مرشح عليه أن يضع اسمه بعد أسماء قائمة البعث، اي على كل مرشح أن يروج بشكل آلي لأسماء قائمة البعث. ذلك أنه لا يسمح للمطابع، بأمر من المخابرات، أن تطبع اي قائمة دون أن تكون عليها أولاً قائمة البعث، وعليه فإن كل المرشحين ملحقون بقائمة البعث.أكثر من هذا، حتى لو فاز المرشحون، فلا يحق لهم اقتراح مشاريع قوانين بأنفسهم، لأن القانون يفرض وجود عشر نواب لاقتراح قانون. ولكن هذا لا يتم لأن مندوبي البعث يشكلون 70% من البرلمان ويقفون في وجه أي اقتراحات مستقلة، الشيء الذي يعني أن البرلمان لا يمكنه أن يناقش سوى مقترحات الحكومة.في النهاية لا يكترث النظام بالأرقام التي يعلنها، ففي انتخابات 2016 بلغ العدد الرسمي للمصوتين المؤهلين 8.8 مليون، ولكن هذه المرة كانت أكثر من الضعف، 19 مليون.لكل الأسباب السابقة، من الواضح أن البرلمان السوري ليس سوى مزحة. ونظراً إلى التغيرات التي أدخلها الأسد وإلى الطريقة التي جرت وفقها انتخابات تموز، فإن البرلمان السوري أصبح مزحة لا يستطيع حتى الموالون للنظام تصديقها، إنها مزحة لا سابق لها في السوء.