راتب شعبو/ كاتب

أوسلو سوري؟؟

نُشرت بتاريخ 15/10/2013على موقع روزنة
هناك الكثير مما يسوغ المشابهة بين “القضية السورية” والقضية الفلسطينية. ليس فقط من حيث عدد اللاجئين وتحول السوريون إلى مشردين في أصقاع الأرض وإلى أشخاص غير مرغوب فيهم فيكل دول العالم، حتى أن الدول القليلة التي تقبلهم، إنما تفعل ذلك شفقة على شعب منكوب. وليس فقط من حيث أن السوريين الثائرين باتوا منذ فترة طويلة في عمر ثورتهم يتعاملون مع النظام على أنه قوة احتلال. وليس فقط من حيث تدويل القضية السورية وتحولها إلى الموضوع السياسي الأول في مجمل المحافل الدولية والإقليمية. وليس فقط من حيث حجم الكارثة التي نجمت عن هذا الصراع وانعكاساتها على المنطقة والعالم.
أوجه الشبه هذه بادية وصريحة، وهي تسوغ الحديث عن وجه شبه لا يريد أحد أن يراه، وذلك ببساطة لأنه ليس في مصلحة الطرفين الرسميين في الصراع أن يظهر هذا الوجه أو أن يُرى. لم تعد قضية الشعب السوري ملكاً لطرف. تحول “الحق السوري” إلى قضية شعب ما أن يتنصل منها أو يساوم عليها طرف حتى يخرج طرف أو أطراف يقلبون الطاولة عليه ويعيدون الموضوع متفجراً وحاراً من جديد. ذاك هو وجه الشبه الذي نعنيه والذي تعمى عنه عيون “الرسميين”. وجه الشبه هذا يزيد من تعقيد القضية السورية، لكنه واقع لا يمكن تحييده. تأسست في الملحمة السورية الحزينة منصة ثابتة جاهزة لكل من يرفض “التسوية” ولا يقبل بأقل من “زوال الاحتلال”. هذه المنصة لن تخلو من الشاغلين ما لم تشعر غالبية الشعب السوري أنها نالت ما أرادت. وهذا بالضبط ما يبرر الكلام عن “قضية سورية”، أي خروج الموضوع من يد الأطراف الرسمية مهما كانت ومهما حازت من قوة، وتحوله إلى ما يشبه “الحق العام” الذي لا يمكن لأحد الالتفاف عليه أو التنازل عنه.
رسم السوريون سقفاً عالياً، وبالغوا بالأمل ربما، لكنهم سندوا سقفهم العالي وأملهم بالكثير من الدماء والمعاناة والصبر، وهذه دعائم ليس لأحد أن يقوضها كائناً من كان. على هذا بات حق السوريين سيد نفسه، ولا سيد عليه. للسوريين حقوق ضائعة منذ عقود، قد يكون ثمة ما يفسر سكوتهم عن هذا سابقاً. ظنوا، مثلاً، أن هناك تنمية تبرر تضحيتهم بحقوقهم السياسية، وظنوا أن هناك تحريراً يستحق أن يُؤجل من أجله استرداد الحقوق من سلطة مستبدة، وربما ظنوا أن “التطور الموضوعي” يمكن أن يقسر السلطة السياسية على فك احتكارها. وتبين لهم بعد عقود أن جميع هذه الظنون آثمة. اليقين الذي سيطر على حطام هذه الظنون هو أن السلطة المستبدة هي غاية ذاتها وأن كل شيء، بما في ذلك الأخلاق والقيم الوطنية، يفقد وزنه أمام هذه الغاية. فتحركوا لاسترداد ما سكتوا عنه سابقاً. السكوت الطويل وتمكين المغتصب من الغلبة، تكرس لديه الشعور بالأحقية. ولا يحتاج المرء إلى مجهود فكري كي يدرك أن السوريين لم ينتظروا كل هذا القدر من الاستعداد للقتل والاحتراف في خنق الآمال وتفجير الثورات من الداخل. غير أنهم واجهوا ذلك بثبات لم يكن ينتظره أعداؤهم أيضاً.
يمكن أن تنجح الأطراف الدولية في عقد جنيف الثاني. ويمكن أن يستثمر طرف قوته على الأرض لفرض “تسوية” لصالحه، لكنه سيكون حينها مصاباً بالوهم الذي اصاب صناع اتفاق أوسلو فوجدوا أنفسهم بعده محاصرين ثم مسمومين، ووجدوا أن البساط السياسي يسحب من تحت أرجلهم لصالح تيارات أكثر جذرية. ليس الغرض من قولي إعطاء حكم قيمة على هذا الاتفاق أو ذاك، وليس غرضي أيضاً رفض أو قبول جنيف الثاني، فقد يدخل هذا في باب الحرتقات والشطارة السياسية. الغرض فقط عرض حقيقة ثابتة، هي أنه حين يتعدى حجم التضحيات حدوداً معينة، تتحول مطالب المضحين إلى “قضية”، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عجز أي طرف عن مصادرتها تحت طائلة السقوط السياسي.
Archives
May 2024
M T W T F S S
« Jul    
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031