راتب شعبو/ كاتب

الطائرات روسية والهوى أميريكي

نُشرت بتاريخ 15/04/2016 على موقع هنا صوتك
بعد كل شيء يمضي النظام السوري في إجراء الانتخابات النيابية كما حددها من قبل في 13 نيسان الجاري. كانت وسائل إعلام قد نقلت عن مصادر في الجبهة الوطنية التقدمية قولها إنها تلقت من القيادة السورية معلومات عن وجود “احتمال كبير لتأجيل الانتخابات”، وأعلنت وسائل إعلام عن تأجيل الانتخابات، ليعمل النظام، بعد ذلك، على نفي الخبر. الإصرار على إجراء هذه الانتخابات رغم الانقسام الحاد في الشارع السوري حيال النظام، ورغم وجود ملايين السوريين في المهاجر وفي مخيمات اللجوء، يعني بالبداهة، أن الصفة النيابية لهذه الانتخابات تعود إلى النظام وليس إلى الشعب السوري. أي إن النظام ينتخب مندوبيه إلى مجلس كانت دائماً إضافته إلى الشعب تعدياً على عقول السوريين ومشاعرهم، ولكنها اليوم تشكل تعدياً أعمق وأكثر دلالة. المضي اليوم بإجراء انتخابات نيابية، وكأن لا شيء يجري ولا مفاوضات تعقد، يحمل استهتاراً ليس فقط بإرادة السوريين، كما كان الحال دائماً، بل واستهتاراً بمصير بلد بحاله.
من جهة أخرى، فإن العالم يستهتر بهذه الانتخابات التي لا تحمل أي قيمة فعلية. نائب الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة يقول “لا نتعامل مع انتخابات سوريا البرلمانية، وتركيزنا ينصب على محادثات جنيف”. غير أن النظام لا يكترث لمثل هذه التصريحات أيضاً، وربما استخدمها للتدليل على حجم “الهجمة المغرضة” على “ديموقراطيته”.
والحق أن المرء يحتاج إلى قدر كبير من “التغييروفوبيا” كي يعمى عن سياسة المقايضة التي وصلها النظام السوري، المقايضة بين استمرار الأسدية (مع الأسد أو بدونه، على كامل سورية أو على بعضها) وبين مصير البلاد، وعما تقود إليه هذه السياسة من تخريب ودمار مادي ونفسي.
لم تكن روسيا راضية عن إجراء الانتخابات البرلمانية في سوريا بهذا الشكل الذي يأتي بالتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 (الذي يرى الانتخابات جزءاً من عملية انتقال سياسي وعلى أساس دستور يتوافق عليه السوريون). ولا أمريكا راضية بطبيعة الحال، ولا معظم الدول الأوروبية، فقد اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، على سبيل المثال، أن هذه “الخطوة (الانتخابات) استفزازية بحد ذاتها”.
غير أن روسيا “اضطرت” إلى استيعاب الخطوة السورية، وعمل بوتين على تهوين الأمر على نظرائه بالقول “إن الانتخابات البرلمانية في سوريا لن تعرقل عملية السلام”. يبقى السؤال هو ما حدود الدور الروسي في جعل مفاوضات جنيف تفضي إلى نتيجة جدية لا يزال النظام السوري يتهرب منها؟
لا يخفى اليوم أن الروس يقومون بدورهم السوري الحالي وفق ما يشبه التفويض الأمريكي، بناء على مقاربة تقول إن الدعم الروسي المباشر الذي أنقذ النظام السوري، يمكن أن يجعل من الروس “أوصياء” قادرين على إرغام النظام على الدخول في مفاوضات جدية مع معارضيه. وقد أعطى هذا النهج بعض الثمار حين قرر الروس سحب بعض معداتهم الحربية من سوريا بشكل مفاجئ في منتصف الشهر الماضي، قبيل بدء مفاوضات جنيف. القرار الذي رآه ستيفان دي ميستورا “مهماً للمفاوضات السورية”، ذلك أنه أرغم وفد النظام برئاسة الجعفري على أن يكون أقل عنجهية و”أكثر جدية”.
يضمن الأمريكان بالتدخل الروسي عدم انهيار النظام السوري خشية نشوء فوضى “عراقية”، تشكل منبعاً للتنظيمات الإرهابية، في حين يهدفون مع شركائهم الأوروبيين إلى تحجيم فاعلية هذه التنظيمات. مع احتفاظ الأمريكان بزر الأمان للجم هذا التدخل الروسي عند الضرورة، وذلك من خلال تأمين المضادات الجوية للمعارضة السورية. من جهة أخرى، يضمن التدخل للروس استمرار مصالحهم السورية التي يقر لهم بها الأمريكان كما هو واضح.
ولكن ماذا لو رفض النظام نصائح الروس بعد أن استقوى بهم؟ ألم يقل أحد كبار المسؤولين السوفييت يوماً إن نظام الأسد (الأب حينها) يأخذ منا كل شيء سوى النصيحة؟ هل يمتلك الروس القدرة على رمي كل ما قدموه جانباً والدخول في صراع فعلي ضد حليفهم؟ ألم يجد السوفييت في 1973 أنفسهم مضطرين لتقديم كل الدعم الممكن للرئيس أنور السادات في حرب تشرين، رغم أنه كان قد طرد آلاف الخبراء السوفييت قبل عام من ذلك؟
يريد النظام السوري أن يقول للعالم، ولأمريكا بوجه خاص، إنه قادر أن يكون مستقلاً عن الروس، وأن هواه خالص لأمريكا، وأن طاعتها واجبة حين يستشعر منها الجد، كما فعل حين انسحبت قواته من لبنان في نيسان 2005، قبل نهاية المهلة المحددة. كما يريد النظام أن يقول للروس، بالمقابل، أن لا يتمادوا في الضغط عليه في جنيف، وأن يعطوا للخط الأحمر الذي قاله وليد المعلم قيمة أكبر. ويستند النظام في كل هذا إلى حرص الروس على مصالحهم في سوريا وسعيهم إلى تغيير في النظام، دون الدخول في مواجهة معه. على هذا فإن الجدية الأمريكية وحدها هي القادرة، فيما يبدو، على فرض التغيير الجدي في سياسة النظام التفاوضية. وإذا عجز النظام عن استيعاب الموقف الدولي، قد يلجأ الروس، بعد كل شيء، إلى استخدام السلاح الأمريكي في وجه حليفهم.
Archives
January 2025
M T W T F S S
« Jul    
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031