راتب شعبو/ كاتب

أبو طالب وأم اسماعيل

 نُشرت بتاريخ 23/04/2016 على موقع مجلة كش ملك الإلكترونية
“لا يجوز أن أدْحَل سطحي وأترك سطح جاري، ستكون أنانية مني”، قال أبو طالب في سريرته. وتابع يخاطب نفسه “سيهطل المطر مساء اليوم كما يبدو، كيف أرضى أن أستمتع بسطح لا يدلف فيما ينام جاري تحت الدلف”؟
بعد أن انتهى من دَحل سطحه انتقل أبو طالب إلى سطح جاره أبي اسماعيل، نثر الرماد جيداً
على السطح، ثم بدأ يدحله برضى شديد عن النفس.
كان المطر بدأ ينهمر حين وصل أبو اسماعيل، الذي كان يحرث أرضه البعيدة مع عائلته، إلى بيته. فشكر أبا طالب كثيراً على فعله الكريم، وقال إن الجار القريب خير من الأخ البعيد، واستراح هانئاً تحت سطح مدحول لا يدلف. ولم تكفّ أم اسماعيل عن تكرار الشكر والامتنان للجار الخدوم. في الليل قال أبو اسماعيل لزوجته: “كم هو محترم هذا الجار”.
وفي السهرات تحدث الزوجان عن أبي طالب وشهامته. ولكن في الواقع لم يفعل أبو طالب هذا طمعاً في أي مقابل مهما يكن.
وهكذا ثابر أبو طالب على العناية بسطح جاره كلما اعتنى بسطحه، دون أن يكترث أكان أبو اسماعيل في البيت أم لا. دائماً يصعد إلى السطح حاملاً من الرماد ما يكفي لسطحين، وأحياناً كان يؤجل العمل على سطحه إلى حين الانتهاء من سطح جاره، وعندها إذا لم يعطه المطر الوقت الكافي فإنه كان يهبط تاركاً سطح بيته دون عناية.
اعتاد أهل القرية على رؤية أبي طالب وهو يدحل سطح أبي اسماعيل، بات هذا المنظر عادياً، حتى صاروا حين يرون أبا اسماعيل على سطح بيته يقولون: عسى أن يكون أبو طالب بخير.
واعتادت عائلة أبي اسماعيل على هذه الخدمة الثابتة التي يقدمها أبو طالب، والتي صارت بالنسبة لهم أمراً شبه طبيعي.
وقد صادف يوماً أن أبا اسماعيل كان نائماً حين أيقظه صوت حركه على سطحه، فتعكر مزاجه وكظم غيظه، غير أن أم اسماعيل قالت بحذر وهي ترى انزعاج زوجها:
“أحياناً يكون أبو طالب مُزعجاً”.
لم يعلق أبو أسماعيل على قولها، ولكنه في الواقع كان يريد أن يقول ما قالته حرفياً.
ذات يوم هطل مطر غزير لم يكن أبو طالب قد تنبأ به، واصل المطر انهماره دون رحمه، وتمكنت الماء من اجتياز كل التحصينات والتغلغل عبر الشقوق الناعمة والدلف عبر سطح أبي اسماعيل. اضطرب حال عائلة أبي اسماعيل وهم يواجهون هذا الدلف غير المتوقع. كانت حركة أم اسماعيل لا تهدأ وهي تضع الصحون والطناجر وكاسات الشاي تحت نقاط الدلف كي لا تسيل الماء في أرض البيت وتحيلها إلى عجين ترابي زلق. ومع وضع كل وعاء في المكان المناسب كانت أم اسماعيل تفرغ قهرها بالصراخ: “لعن الله والدَك يا أبا طالب”، “لو لم تكن ابن زنى لدحلتَ السطح وحميتنا من هذا الشحّار”، “أرجو من الله تعالى أن تفارقك روحك القذرة قبل أن يتوقف هذا المطر”.
وبينما هي في سعيها هذا، كان أن سقطت دفقة من الدلف على رأسها وهي تستعد لوضع صحن آخر في مكان دلف جديد، فرمتْ الصحن من يدها بغضب ونظرت إلى الأعلى إلى مكان تسرب الدلف الذي أصاب رأسها ورفعت صوتها بيأس: “ليتني أرقص على قبرك يا ابن الكلب، العمى بقلبك وقلب من يوكل سطحه لك”.
أما أبو اسماعيل فكان منكمشاً على نفسه في زاوية آمنة، وهو يراقب تزايد نقاط الدلف من السطح، ويمتلئ رغبة بالانتقام من أبي طالب مع امتلاء الصحون والطناجر والكؤوس بالماء.
وفي البيت المجاور كانت أم طالب توبخ زوجها قائلة “لا شك أنك دحلت سطح ام اسماعيل وتركت سطحنا يا مقصوف العمر، فقط كي تهنأ ام اسماعيل وترتاح فيما أنا أسابق الدلف هنا من مكان لآخر مثل كلبة جرباء. ليتني أترمل قبل أن يتوقف هذا المطر”.
Archives
April 2024
M T W T F S S
« Jul    
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930