راتب شعبو/ كاتب

إنما الإسلاميون وأنظمة الاستبداد أخوة

نُشرت بتاريخ 12/04/2014 على موقع روزنة
في مصر كما في تونس وليبيا كانت الثورة الظافرة على موعد مع عقبة أشد صعوبة من عقبة النظام الفردي الغاشم الذي تمكنت من إسقاطه، هي عقبةالإسلاميين. تكاملت في هذه الدول ظروف سياسية داخلية ودولية مكّنت الشعوب المنتفضة من إسقاط مستبديها، وسرعان ما تقدم الإسلاميون وسيطروا على المشهد بفعل استثمارهم لوعي شعبي مكرس ينظر إليهم على أنهم جماعة “يعرفون الله” وقادرون على إقامة نظام عادل يرضي الله.
الاستبداد الذي يواظب على قمع أي وعي ديموقراطي ومدني يترك، بفعله هذا، الوعي الشعبي غارقاً في ثقافته التقليدية التي تشكل الرأسمال الأهم للإسلاميين. وعلى هذا تشهد بلداننا فجوة هائلة بين اتساع القبول الشعبي بالإسلاميين وبين ضيق أفق هؤلاء ومحدودية أفكارهم وتخلف أدواتهم في الحكم. ذلك أن القبول بالإسلاميين ليس نابعاً من كفاءة سياسية أو اقتدار فكري ومواكبة للتطور والعصر من قبل هؤلاء، بل ينبع من شيوع وهم شعبي، يحرص الاستبداد على الحفاظ عليه، يرى أن الإسلاميين يمثلون شخصية الأمة وروحها.
سنة واحدة من حكم الاخوان في مصر كانت كافية لظهور هذه الفجوة التي دفعت الملايين التي اختارت الرئيس الإخواني للنزول إلى الشارع لرفض حكمه. الحال الذي فتح للجيش نافذة واسعة ومقبولة شعبياً لكي يعود إلى الواجهة كحامي لوحدة المجتمع. أي نافذة للالتفاف على الثورة. صبيحة عزل الجيش المصري للرئيس المنتخب محمد مرسي ذكرت صحيفة الغارديان إن الجيش المصري ينقذ الإخوان من الفشل. بالفعل كانت علامات الفشل بادية خلال السنة الأولى من حكم الرئيس الإخواني، غير أن قيام الجيش بعزل الرئيس نقل الإخوان من موقع الفاشل إلى موقع الضحية. أي حجز لهم مكاناً مستقبلياً لدور مشابه للدور الموضوعي الذي قاموا به عقب ثورة يناير. فقد بات في حوزتهم مظلومية تاريخية قابلة للاستثمار المستقبلي. الإسلاميون يشحنون جمهورهم دائماً بمصدرين للطاقة الأول هو الظلال القدسية ووهم التكليف الإلهي، والثاني هو المظلومية الأبدية، فدائماً هناك قوى كافرة، في الداخل والخارج، تعمل على حرمانهم من “حقهم” في الحكم. وفي الواقع أمثلة فعلية على ذلك. من تجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر في الانتخابات البلدية في 1990، إلى تجربة حماس في بداية 2006، إلى تجربة محمد مرسي في 2013. ولكن دون أن يتبادر إلى ذهن الإسلاميين ملاحظة الفجوة بينهم وبين القيم السياسية للعصر.
لم يمانع الإسلاميون في مساندة الطاغية على حساب الشعب حين أتيح لهم ذلك، يساندهم في ذلك شعور طاغ بالأحقية على اعتبارهم أولياء الله كيفما توجهوا. فعلوا ذلك في السودان جعفر النميري وفعلوا ذلك في مصر السادات قبل أن ينقلبوا عليه، وحاولوا فعل ذلك في مصر ثانية حين ذهبوا لمفاوضة النظام قبيل سقوط مبارك. ولكننا نتكلم هنا عن دورهم الموضوعي في لحظات التغيير الاجتماعي الحاسمة (الثورات).
حيث انتصرت الثورات العربية الحديثة (مصر وتونس وليبيا) شكل الإسلاميون عائقاً في طريق انتقال البلاد إلى شكل سياسي حديث من أشكال انتظام المجتمع، وحيث تعثرت (سوريا) كان للإسلاميين الدور الأبرز في تعثر الثورة. لم تكن المشكلة الحقيقية في سوريا أن المساجد كانت نقطة انطلاق المظاهرات، ولكن برزت المشكلة مع تنامي الصوت الإسلامي (وهو صوت طائفي في طبيعته وتكوينه) وسيطرته على ما عداه. شكل الصوت الإسلامي رادعاً للأقليات عن التماهي في حركة التغيير. ومع الوقت الذي كان يقاس في سوريا بعدد الضحايا والمعتقلين والمخطوفين وبتزايد مستوى الشحن الطائفي الذي يشكل النظام والإسلاميون قطبيه الرئيسيين اللذين يستدعي كل منهما الآخر، انزاح الصوت الإسلامي أكثر باتجاه التشدد (مما نفّر جزءاً مهماً من المسلمين السنة في البلد) وباتجاه الطائفية (التي نفّرت الكتلة الأساسية من الأقليات ودفعها للالتفاف حول النظام الذي بدا لها، رغم كل شيء، حامياً في وجه جماعات رهيبة تريد قتلهم وبرهنت في أكثر من مثال على ما تريد. وقد بدا سلوك هذه الجماعات في قرى شمال اللاذقية في آب 2013 مثالاً محدوداً عما يمكن أن تفعله هذه الجماعات لو أتيحت لها السيطرة).
بين استبداد يقمع أي حركة مدنية أو سياسية حديثة ويترك الوعي العام حقلاً سهلاً للإسلاميين، وحركات إسلامية تصادر حركات الاحتجاج مستفيدة من رأسمال شعبي راكد بفعل الاستبداد نفسه، تعيش الشعوب العربية زمناً مشلولاً عاجزاً عن الانتقال إلى اشكال حكم حديثة.
Archives
May 2024
M T W T F S S
« Jul    
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031