راتب شعبو/ كاتب

تفجيرات الساحل، هذا الثوب من ذاك القماش

نُشرت بتاريخ 25/05/2016 على موقع هنا صوتك
حوالي 400 ضحية بين قتيل وجريح سقطوا يوم الاثنين 23 أيار/مايو بسبب تفجيرات متعددة استهدفت تجمعات للناس في الكراجات والشوارع والمشافي في مدينتي جبلة وطرطوس. وكالة “أعماق” التابعة للدولة الإسلامية (داعش) أعلنت مسؤولية الأخير عن التفجيرات، معتبرة أن أهدافها هي “تجمعات العلويين”. إنه من باب التكرار فقط الإشارة إلى القوة الخارقة التي يتمتع بها تنظيم حديث العهد وتجعله قادراً على أن يواجه العالم الذي يجتمع بالكامل على عدائه، بقواه الكبرى والصغرى. حتى أن عداوة هذا التنظيم هي القاسم المشترك الوحيد بين جمهور النظام السوري ومعارضيه. من أين لهذا التنظيم كل هذا السحر في أن تجتمع ضده القوى كافة، ويبقى على تمدده واختراقاته، ويحافظ على حدوده، هذا في حين تمكن تحالف أقل بكثير من التحالف المضاد لداعش اليوم، أن يهزم في أيام نظاماً عريقاً ومتمرساً في الحرب كالنظام العراقي.
على وجه السرعة، حمل النظام السوري مسؤولية التفجيرات لحركة أحرارا لشام، في محاولة استثمار الجريمة لخدمة المسعى السياسي الذي تقوم به روسيا في مجلس الأمن لوضع أحرار الشام على لائحة الإرهاب. بالطبع، من غير المستبعد أن تقوم أحرار الشام أو أي تنظيم جهادي بما قامت به داعش، فهذه التنظيمات تميز الناس على أساس الولادة، وتشرع لنفسها القتل بناء على هذا التمييز. لكن ما يجب التوقف عنده، هو مسعى النظام في استثمار الجريمة سياسياً، بدلاً من الانشغال الجاد في معرفة المجرم الفعلي (دون إلباسها إلى مجرم مأمول) وكيفية نجاحه في تحقيق اختراقات بهذا العدد وهذا الحجم، إن كان يحرص على حياة الأهالي. لكن قدر هؤلاء الضحايا، من بقي حياً منهم ومن قضى، أن يكونوا بين مجرم يقتلهم وآخر يستثمر في دمهم لفتح حساب جديد له في سوق السياسة.
قدر هؤلاء الضحايا، من بقي حياً منهم ومن قضى، أن يكونوا بين مجرم يقتلهم وآخر يستثمر في دمهم لفتح حساب جديد له في سوق السياسة.
لم تحدث عمليات انتقام مهمة، حسب ما نقلت مصادر عديدة. وكان هذا هو الخوف الأكبر لدى كثيرين وبحق. ولا شك أن من خطط للجرائم كان ينتظر بلهفة ردود فعل انتقامية. هذا أمر يحسب للأهالي هناك. على أننا يجب أن لا نطمئن إلى هذا تماماً. ذلك أن النظام السوري لا يريد أن تنفجر الحساسيات الطائفية في المناطق الخاضعة له. فهو لا يزال يقدم نفسه على أنه ضامن التعايش في مجال سيطرته، ولهذا دور كبير في عمله على ضبط مشاعر الانتقام وردع ردود الفعل، كما جرى في تشكيل لجان حماية في محيط مخيم الكرنك. وليست هذه هي المرة الأولى التي يصمد فيها الوضع الأهلي في الساحل لانتهاكات الجهاديين في مناطق الساحل. فقد سبق هذا اقتحام قرى شمال اللاذقية وقتل وخطف مئات من الأهالي، والإهانة والقتل الاستعراضي لأحد مشايخ المنطقة، دون أن يستجر ذلك، لحسن الحظ، أي رد فعل انتقامي. غير أن النظام يستطيع أن يفجر الحساسيات الطائفية حين يشاء، بعد أن تراكمت وباتت جاهزة للاستخدام. وهو يتسلح بكل فعل أو قول طائفي يصدر من الضفة المقابلة للنظام، ويكون للكلام الطائفي الصادر عن المعارضين غير الإسلاميين قيمة كبيرة في ترسانة النظام. النتيجة التي يرغب النظام السوري في أن يوصل الجمهور إليها هي التالية: جميعهم طائفيون، لا يوجد فرق بينهم. الإسلامي طائفي، وغير الإسلامي كذلك. هذا يشكل رصيداً يراكمه النظام ليستخدمه حسب الحاجة.
المفارقة أن التمهيد السياسي والأخلاقي والنفسي لجرائم داعش، تمارسه أصوات تحتج على داعش وترفضها وتعتبرها صنيعة النظام، وأنها ذات دور تخريبي على الثورة ..الخ. ذلك أن الأصوات أو الأقلام التي تستنكر داعش ودورها، تكرر في الوقت نفسه تعابير “النظام العلوي” و”الطائفة المجرمة” و”الطائفة الفاشية” وما إلى هذا من تعابير خاوية معرفياً وفقيرة أخلاقياً وتمهد لقتل المدنيين. هؤلاء يخدعون الشعب السوري في تحليلاتهم ويضعفون إمكانية بناء مستقبل أفضل لهم. إن استهداف عامة الناس والفئات الأكثر فقراً وضعفاً: صغار الموظفين، والمرضى، وأهل النخوة ممن يسرعون لنجدة المصابين في التفجير الأول فيحصدهم التفجير الثاني،وتلاميذ المدارس الابتدائية ..الخ،  أقول إن استهداف هؤلاء بالمفخخات والعمليات الانتحارية على أنهم “العدو”، هو التكملة المنطقية لاستهدافهم اللفظي بالتعابير والتحليلات الطائفية التوجه. بعد ذلك، لا معنى أن يقوم أصحاب هذه التحليلات، بإدانة جريمة طائفية. فهذا الثوب من ذاك القماش.
Archives
January 2025
M T W T F S S
« Jul    
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031