راتب شعبو/ كاتب

المقاومة في تحولها المحافظ

نُشرت بتاريخ 18/07/2016 على موقع هنا صوتك
عشر سنوات مرت على قيام حزب الله اللبناني بعملية خطف الجنود الإسرائليين في جنوب لبنان، العملية التي أطلق عليها اسم “الوعد الصادق”، أي أن حزب الله وعد بتحرير الأسرى اللبنانيين في سجون إسرائيل وأنه ينفذ العملية لكي يرغم هذه الأخيرة على تبادل الأسرى، فيصدق حزب الله بوعده. كانت العملية المذكورة هي الشرارة التي أشعلت حرب تموز/يوليو 2006، والتي استمرت 33 يوماً قتل فيها حوالي 1300 لبنانياً معظمهم من المدنيين، وطال لبنان خسائر كبيرة في البنية التحتية والمباني السكنية، مع تهجير حوالي مليون لبناني. ما جعل الأمين العام لحزب الله يقول إنه لو كان يعلم أن هذه العملية سوف تجر كل هذه الخسائر لما أقدم عليها. غير أن المزاج العربي العام كان في غالبيته مع الحزب، وكان ثمة شعور عام بما يشبه النصر مع ذلك، لمجرد صمود حزب الله أمام الهجوم البري الذي باشرته القوات الإسرائيلية، ولمجرد أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها المعلنة، ولم تستطع أن تصون صورتها كدولة قادرة على ما تشاء في محيطها.
إذا كان من الممكن لحزب الله أن يكون، في لحظة ما، وريث نضالية الأسرى والشهداء الذين سقطوا في الصراع ضد إسرائيل، بصرف النظر عن أحزابهم أو جنسياتهم، فإن الحزب يبقى، رغم كل شيء، رهين محبسين ليس له أن يخرج منهما، هما دينيته وولاؤه الإيراني.
بعد الحرب بسنتين أنجز الحزب صفقة تبادل أسرى واسعة مقابل الجنديين. كانت عملية التبادل بمثابة تتويج لصمود الحزب في وجه الهجوم الإسرائيلي، ولجهوده التفاوضية المميزة، ونجاحه في جعل المعلومات عن مصير الجنديين المخطوفين سراً زاد في ثقل موقفه وفي مكاسبه التفاوضية. فظلّ مصير الجنديين الإسرائيليين المخطوفين مجهولاً، حتى لحظة تسليمهما في نعشين. ولكن الأهم في عملية تبادل الأسرى تلك، كان استعادة أو إعادة الاعتبار لرفات 199 مقاتلاً غالبيتهم من أحزاب لبنانية غير حزب الله ومن فصائل فلسطينية ومن جنسيات عربية، استشهد معظمهم قبل الاجتباح الاسرائيلي للبنان 1982.
إذا كان من الممكن لحزب الله أن يكون، في لحظة ما، وريث نضالية الأسرى والشهداء الذين سقطوا في الصراع ضد إسرائيل، بصرف النظر عن أحزابهم أو جنسياتهم، فإن الحزب يبقى، رغم كل شيء، رهين محبسين ليس له أن يخرج منهما، هما دينيته وولاؤه الإيراني. والمفارقة التي يمكن الإشارة إليها، هي أن هذين المحبسين هما مصدر قوة الحزب، ولكنهما مصدر ضعفه في الوقت نفسه. الدينية تعطي المقاتلين دافعاً مهماً ودائماً للالتزام والتضحية والانضباط، ولكنها في الوقت نفسه تصنع شرخاً لا يمكن تجاوزه بين الحزب وبين المجتمع. أما الولاء لإيران فإنه يؤمن للحزب كل ما يحتاج من وسائل الاستمرار والتدريب والمال والمعدات والأسلحة ..الخ، ولكنه ينتزع منه استقلالية القرار.
إن هذين المحبسين اللذين ساعدا حزب الله في الوصول إلى إنجازه المهم في تموز 2006، هما اللذان أوصلاه إلى الدرك الذي هو فيه اليوم، والذي دشن تحوله إلى قوة محافظة، أو قوة “نظامية” لا علاقة لها بالمقاومة بما هي فعل تحرير.
غير أن أخطر ما في عملية تحول أي قوة مقاومة إلى قوة “نظامية” محافظة، هو ما تتمتع به من مناعة ضد النقد، ذلك لأن الإنجازات السابقة لها تتحول إلى دروع سياسية وثقافية وحتى أخلاقية، تصد عن الجسم الأصلي الذي غادر موقعه نهائياً، وربما تحول إلى نقيض ما كان عليه. وهذه ظاهرة لا تقتصر على حالنا هنا، إنها ظاهرة عالمية، فمن الجزائر إلى كوريا إلى الفيتنام إلى كوبا إلى الصين، كلها تجارب تكشف كيف يتم التحول من قوة مقاومة تحررية إلى قوة “نظامية” محافظة، تحتمي بتاريخها لكي تمارس أبشع أنواع القمع ضد أهلها وضد جمهورها السابق.
لا يمكن لأحد أن ينكر تضحيات حزب الله اللبناني وإنجازاته، من تحرير جنوب لبنان في أيار 2000، إلى تحرير الأسرى والشهداء في تموز 2008، ولكن هذا لا يعني أن يتحول الحزب في ذهن الجمهور إلى معيار للمقاومة، دون حاجة إلى النظر في سياساته أو اصطفافاته التالية. هناك كثير من المثقفين الذين يمارسون هذه “العبادة” للحزب. ومن هؤلاء من يرى أن كل “الربيع العربي” ليس إلا مؤامرة يهدف إلى ضرب المقاومة.
وبقدر ما يكون للحركة المقاومة السابقة من رصيد نضالي، تكون أكثر خطراً في تحولها المحافظ. إنها تدخل إلى المجتمع من بوابة الثقة التي اكتسبتها فعلياً بنضالاتها وتضحياتها، لكي تمارس ما تشاء من غوايات السلطة متحررة من الشكوك واختبارات الثقة، وهي في منأى عن الحساب. كأنها تسترد ديناً سبق أن أدته لمجتمعها الذي يبقى مشلول الوعي والإرادة أمام بهرج “إنجازاتها الوطنية” السابقة. 
Archives
May 2024
M T W T F S S
« Jul    
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031