ينسق بوتين مع نتنياهو قبل التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، ويفتح خطاً ساخناً يربط حميميم “الممانعة” بتل أبيب الصهيونية والمغتصبة و”ربيبة الامبريالية”، ويجري مناورات مشتركة معجيش الاحتلال”، انطلاقاً من قواعد جوية وبحرية في سورية. وكخطوة أولى تحضيراً للمناورات المشتركة يقرر بوتين ونتنياهو توسيعجهاز التنسيق العسكري الروسي الاسرائيلي في أجواء سورية. ومن ضمن الاتفاق الروسي الاسرائيلي أيضاً، أن تقوم السفن العملاقة الروسية بحماية المنشآت الإسرائيلية الغازية في المتوسط. وعليه فإن جمهور النظام ولفيف من معارضيه السابقين وجوقة كاملة من منظري المواجهة والمقاومة والممانعة، يجدون أنفسهم في حرج. ذلك أن بوتين لا يكترث، فيما يبدو، لصورته في وعي الموالين للنظام السوري بوصفه “أبو علي بوتين”، وأنه قد يكون أقرب إلى “ديفيد” منه إلى “أبو علي”، فهو “فلاديمير” أولاً وأخيراً. يعيد أردوغان العلاقات التركية مع اسرائيل، دون أن ترفع هذه الأخيرة الحصار عن غزة، ودون أن تغير بالطبع من ممارساتها ومن تكوينها العدواني التوسعي العنصري.
وبعد ذلك يلبي أردوغان شروط بوتين الثلاثة لإعادة العلاقات التركية الروسية إلى سابق عهدها، فيعتذر عن إقدام سلاح الجو التركي على إسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية التي دخلت الأجواء التركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، ويتعهد بتعويض ذوي الطيار الروسي الذي قضى في الحادث، وتعويض موسكو عن قيمة الطائرة التي تحطمت، ومعاقبة المتورطين في استهداف الطيار الروسي من الأرض أثناء هبوطه بالمظلة، وفي استهداف طائرة الهيلكوبتر التي هرعت لإنقاذ الطيارين مما أدىى إلى مصرع مقاتل روسي آخر. وعليه فإن معجبي أردوغان السوريين في حرج. ذلك أن أردوغان يسعى إلى “تقليل الأعداء”، ويغادر إطاره المرسوم باعتباره نصير حقوق المسلمين المهدورة كما في فلسطين كذلك في سورية، وينصاع للنصير الأول للنظام السوري.
الحرج السوري هذا ليس من النوع الذي يدفع أصحابه إلى إعادة النظر، بل إلى البحث عن دفاعات جديدة لحماية القناعات المتشكلة من قبل، القناعات المحصنة بالضعف الذاتي وبعادة الإعجاب اللامحدود أو قل الانسحار “بالغريب”، وهي عادة سياسية سورية عريقة، كالأبناء الذين يبحثون عن أب، بعضهم وجده مرة في الاتحاد السوفييتي وبعضهم في أمريكا، وبعضهم يجده الآن في أردوغان أو الملك سلمان أو بوتين أو خامنئي أو ..الخ، وقد يتبدل الأب دون أن يتبدل شعور البنوة. لا غرابة إذن أن يبدو أردوغان لاعباً سياسياً ماهراً، لا يفعل ما يفعل إلا لكي يخدم في المحصلة استعادة حقوق المسلمين المهدورة. ولا غرابة في أن يبدو التنسيق الروسي مع إسرائيل تكتيكاً ذكياً يحيّد إسرائيل لضرب حلفائها الوهابيين التكفيريين ولإنقاذ النظام “المقاوم”. لا مبرر للحرج إذن. كل شيء باق على ما هو عليه. وما هذا الذي يظهر على السطح من تنسيق واعتذار وخطوط ساخنة مع العدو ..الخ، سوى قشور. مراجعة الذات أمر مؤلم، تعديل القناعات أو امتحانها أمر مؤلم أيضاً. الأسهل من هذا وذاك، الاستبسال في الدفاع عن “أبطال” نتوجهم أسياداً ونبحث عن “معجزاتهم” لكي ننسحر بهم. قلما نجد من ينصب زعماء أجانب أبطالاً لقضاياه كما نجد في سورية. لا يثير العجب أن يضع النظام السوري نفسه تحت وصاية إيرانية أو روسية أو أمريكية ..الخ وأن يقبل رئيس النظام استدعاءه إلى موسكو أو إلى حميميم. ولا يثير العجب أن تلتزم تشكيلات سياسية أو عسكرية سورية جانب الولاء لداعميها الأجانب، أو أن يسحب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية البيان الذي يدين فيه قتل حرس الحدود التركية (الجندرما) مدنيين سوريين أثناء محاولتهم العبور إلى تركيا هرباً من قصف النظام وروسيا. العجب يأتي من الاستعداد “الشعبي” في سورية للإعجاب الواسع بزعيم أجنبي تقوده مصالح بلاده إلى مواقف وخيارات تناصر قضية طرف ما في الصراع، فيتحول إلى بطل شعبي لهذه القضية التي سرعان ما سيهجرها أو يخونها.