راتب شعبو/ كاتب

الصراع القادم ضمن معسكر النظام السوري

نُشرت بتاريخ 26/06/2014 على موقع المدن
كان يمكن لحافظ الأسد أن يزعم أنه مالك أو “صاحب” السلطة في سوريا وأنه لذلك يمتلك “الحق” في توزيع سلطته وكسب الولاءات أو توزيع السلطة بحسب الولاءات، وفق مبدأ أعطني سلطة وخذولاء أو أعطني ولاء وخذ سلطة. وكان يمكن للموالين أن يقبلوا هذا الزعم بناء على تصور سائد في الشرق يقول إن السلطة لمن يمسك بها. فالأسد الأب استولى على السلطة بمغامرة عسكرية صغيرة كان قد أعد لها جيداً وهيأ لها شروط النجاح، بقدر ما تساهل خصومه آنئذ حيال استعداداته. بالمحصلة كانت السلطة في متناول يده فانتزعها وتمسك بها بكل ما أوتي من قوة. واستطاع خلال فترة حكمه التي امتدت ثلاثين عاماً أن يحبط كل أشكال الانقلابات العسكرية التي وسمت تاريخ سوريا الحديث قبل وصوله إلى السلطة، مستنداً إلى عقل أمني خبير وشهوة لا تهدأ للسلطة. على هذا ما كان لأحد من رجاله أو أتباعه أو جمهوره أن ينكر عليه كونه صاحب السلطة وموزعها بلا منازع. وكان هذا أحد سمات نظامه وأحد أسباب استقرار هذا النظام.
وكان لقوة عطالة النظام السياسي الذي أرساه الأسد الأب دوراً مهماً في استمرارية النظام تحت سلطة الأسد الابن، حتى يمكن القول إن عشر السنوات الأولى من حكم الأسد الابن هي مجرد امتداد لسلطة الأسد الأب، حتى أن كثير من السوريين جادلوا في أن الأب لم يمت، إنما هو حي يدير السلطة من وراء ابنه.
بعد اندلاع انتفاضة السوريين في أواسط آذار 2011، بدأ التغير يطرأ على نظرة الموالين إلى السلطة وعلى علاقتهم بها. مع استمرار الثورة وارتفاع كلفة الحفاظ عليها أمام إقدام غالبية السوريين وعزمهم على التغيير، بدأ الموالون يدفعون فاتورة الحفاظ على السلطة من دمائهم وأرواحهم وأملاكهم بوتيرة متصاعدة. الأمر الذي جعلهم ينظرون الآن، بعد أكثر من ثلاث سنوات إلى سلطة الأسد على أنها من إنجازهم، أي إنهم بعد هذا الزمن القاسي وبعد النجاح النسبي في الحفاظ على سلطة الأسد، هشّم الموالون فكرة التسليم بأحقية الأسد في السلطة، لصالح تصور جديد يرون فيه إلى أنفسهم على أنهم شركاء في السلطة التي يلمسون كل يوم إنها من إنتاجهم وبالتالي ينتظرون ثمارها.
على هذا سوف تصطدم أحادية “الأسد” في حيازة السلطة مع جماعية جهد الحفاظ على السلطة. وسنجد أن الطبيعة الاحتكارية للنظام سوف تتعرض لضغط شديد من جانب الجمهور الذي دافع عن السلطة وينتظر المشاركة في امتيازات السلطة. آلاف الأسر التي قدمت شهداء وجرحى ومفقودين في قضية الحفاظ على النظام لا يمكنها القبول بالتهميش مجدداً من سلطة ضحوا للحفاظ عليها. فهم يدركون أن أبناءهم لم يذهبوا ضحية حرب “وطنية” ضد مستعمر أو محتل، بل في صراع “داخلي” دمر البلاد لأن النظام تحدى إرادة السوريين في التغيير.
صحيح أن سلطة الأسد الأب شهدت تهديداً في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي على يد جماعة الإخوان المسلمين، لكن الأسد الأب حسم المعركة عسكرياً بفترة وجيزة، ولم يتحمل الموالون هذا الحجم من الخسائر البشرية وغير البشرية، وكان العبء الأكبر على عاتق التشكيلات العسكرية التي كانت تتبع لأخيه (رفعت الأسد) التي كانت تحمل اسم “سرايا الدفاع”.  وقد حازت هذه التشكيلات و”قائدها” سلطة واسعة بعدئذ حيث ظهرت بصورة الحامي للسلطة، حتى وصل الأمر بقائدها أن يستعد للاستلاء على السلطة في فترة مرض أخيه في 1984. فانفجر الصراع بين الأخين وانتهى بنفي رفعت الأسد وحل تشكيلات سرايا الدفاع.
اليوم يختلف المشهد من حيث الاتساع والعمق. من حيث حجم الضحايا ومشاركة الموالين في الدفاع عن النظام مشاركة واسعة تشبه النفير العام في إطار ما سمي اللجان الشعبية اولاً ثم جيش الدفاع الوطني تالياً. وإذا كانت أحداث حماه 1982 قد ولدت في داخل النظام الصراع بين الأخين في 1984، فإن الحرب الشاملة التي قادها ويقودها النظام للحفاظ على السلطة سوف تولد صراعاً جديداً داخل النظام نفسه محركه الأساسي هو التوتر أو التناقض بين اتساع دائرة المشاركين في حماية السلطة وبين ضيق ومحدودية دائرة الناس الذين يحوزون على امتيازات السلطة.
في 1984 انحصر الصراع بين الأخين اللذين يقف كل منهما على رأس جيش، اليوم سيكون الصراع أكثر تبعثراً وأقل ميلاً للانضباط. ومن المرجح أن يكون خطه الرئيسي بين الجيش النظامي وكتائب جيش الدفاع الوطني. القوة التي تضبط هذا الصراع اليوم هي قوة وجود العدو المشترك. فما أن تضعف قوة العدو المشترك حتى يبدأ خط الصراع هذا بالسخونة.
Archives
December 2024
M T W T F S S
« Jul    
 1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
3031